عظماء ولكن!!؟؟

" إذا رأيت شاعراً من الشعراء أو عالماً من العلماء ، أو نبيلاً في قومه ، أو داعياً فى أمته قد انقسم الناس فى تقدير منزلته انقساما عظيماً فافتتن بحبه قـوم حتى رفعوه إلى رتبة الملك ، ودان ببغضه آخرون حتى هبطوات به إلى منزلة الشيطان فاعلم أنه رجل عظيم .
     العظمة أمر وراء العلم والشعر ، والإمارة والوزارة ، والثروة ، والجاه فالعلماء والشعراء والنبلاء كثيرون ، والعظماء منهم قليلون وإنما هى قوة روحية موهوبة غير مكتسبة ، تملأ نفس صاحبها شعوراً بأنه رجل غريب في نفسه ، ومزاج عقله ونزعات أفكاره وأساليب تفكيره . غير مطبوع على غرار الرجال . ولا مقدود على مثالهم ، ولا داخل فى كلية من كلياتهم العامة .
     فإذا نزلت نفسه من نفسه هذه المنزلة ، أصبح لا ينظر إلى شيء من الأشياء بعين غير عينه ، ولا يسمع بأذن غير أذنه . ولا يمشى فى طريق غير الطريق التى مهدها بيده لنفسه . ولا يجعل لعقل من العقول مهما عظم شأنه وشأن صاحبه سلطاناً عليه فى رأى أو فكر .
     بل يرى لشدة ثقته بنفسه ، وعلمه بضعف ثقة الناس بنفوسهم ، أن حقاً على الناس جميعاً أن ينزلوا على حكمه ، ويترسموا مواقع أقدامه في مذاهبه ومراميه فترى جميع أعماله وآثاره غريبة نادرة بين آثار الناس وأعمالهم ، تبهر العيون ، وتدهش الأنظار ، وتملأ القلوب هيبة وروعة .
     من كان هذا شأنه ، كان فتنة الناس فى خلواتهم ومجتمعاتهم ، ومثار الخلف والشقاق بينهم ، فى استكناه أمره ، وتقدير منزلته ، فيعجب به الذين فطروا على الإعجاب به إلى الافتتان بأقواله وأفعاله وحركاته وسكناته ، والإغراق في حبه والسير بعجائبه وغرائبه فى كل صقع وناد فيقع ذلك في نفوس مناظريه وحاسديه ، والمتمردين على عبقريته ونبوغه ، موقعاً غير جميل . فلا يجدون لهم بداً من مقابلة الإغراق في حبه بالإغراق فى بغضه ، على قاعدة المشادة والمعاندة .
     وهناك تحتدم المعركة الهائلة بين أنصاره وخصومه ، فيهاجمه هؤلاء يحاولون استلاب عظمته منه  ويناضل عنه آخرون يريدون استبقاءها فى يده ، وهو واقف بينهم يدير أنظاره فيهم هانئاً مغتبطاً لا يحزن ولا يبتئس ، لأنه يعلم أن جميع هذه الأصوات الصارخة حوله إنما هى أبواق شهرته وعظمته .